أهم الأفكار الواردة في رسالة جلالة الملك محمد السادس الموجهة لأعضاء أكاديمية المملكة المغربية بمناسبة افتتاح الدورة الأولى في إطار هيكلتها الجديدة.
دواعي الهيكلة الجديدة هو تفعيل دور الأكاديمية، بما ينسجم مع أهداف ومقتضيات دستور المملكة، الرامية إلى صون هويتنا الوطنية بمكوناتها العربية والإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية وروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية والمساهمة في تطوير البحث وإغنائه وإبراز العمق التاريخي والحضاري الذي راكمته المملكة المغربية على مرّ العصور، وضخ نفس جديد ودفعة قوية تعتمد على رؤية جديدة بهياكل وأعضاء جدد وبرامج ومشاريع في مجملها ذات صلة بهويتنا منفتحة على التجارب الثقافية الدولية لمواكبة مستجدات العصر ومسألة القيم بكل أبعادها وتجلياتها تعدّ من بين المهام الجليلة للأكاديمية ؛بسبب مساهمتها الفاعلة في بناء المشترك الإنساني عبر تعزيز الهوية وتثمين التعدد الثقافي واللغوي وتحصينهما إبداعاً وممارسةً في الحياة الفكرية والانفتاح على شتى الحضارات والثقافات.
هلا بريس
عبّر جلالة الملك محمد السادس عن بواعث اعتزازه بمخاطبته أعضاء أكاديمية المملكة المغربية، على هامش افتتاح دورتها الأولى في حلتها الجديدة آملا – جلالته- في أن تكون مرحلة استثنائية في المسار المشرق لهذه المؤسسة الوطنية العريقة، ذات الصيت الذائع والإشعاع المتميز، وأشاد جلالته بهذه المعلمة العلمية الوطنية، وبما قدمته من المشاريع والبرامج العلمية والفكرية والثقافية التي أسهم في تنزيلها أعلام الفكر والثقافة والعلوم والأكاديميون، من مختلف المشارب والتخصصات .
وأعرب العاهل المغربي عن مبتغاه، في أن تشكل هذه البداية انطلاقة جديدة تكون أقوى ومقصداً أسمى، مشيرا على أنّ طموحه هذا، لا يعادله إلاّ إيمانه الراسخ بأهلية أعضاء الأكاديمية وقدرتهم على رفع هذا التحدي وتحقيق هذا المسعى.
وأكدّ جلالة الملك، على أهمية الانفتاح على الثقافات العالمية الأخرى ومواكبة المغرب لمختلف المسارات خصوصا وأنّ المغرب، يعتبر ملتقى الحضارات والثقافات، وفي أن تصبح أكاديمية المملكة المغربية، المحدثة من طرف الراحل الملك الحسن الثاني والمعروفة كمنارة للفكر والبحث المعرفي والثقافي العابر للقارات ومشتلا للارتقاء بالقدرات الفكرية والعلمية في كل مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، في أن تسهم في تطوير البحث وإغنائه، وفي إبراز العمق التاريخي والحضاري الذي راكمته المملكة المغربية على مرّ العصور.
وأبرز العاهل المغربي في هذه الرسالة، حرصه منذ 2015م على تفعيل دور الأكاديمية وتجديد هيكلتها، بما ينسجم مع أهداف ومقتضيات دستور المملكة، الرامية إلى صون هويتنا الوطنية، بمكوناتها العربية والإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية وروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية؛ وكذا مع خدمة الإشعاع العلمي والثقافي للمملكة والإسهام في التفكير في الإشكاليات والقضايا المطروحة في عالم اليوم.
وبخصوص دواعي هذه الهيكلة الجديدة، أوضح جلالة الملك على أنها جاءت؛ بهدف ضخ نفس جديد ودفعة قوية، تعتمد على رؤية جديدة، بهياكل وأعضاء جدد، وبرامج ومشاريع في مجملها ذات صلة بهويتنا، منفتحة على التجارب الثقافية الدولية لمواكبة مستجدات العصر، بتدبير رشيد وإسهام فاعل ومؤثر مشيرا على أنّها حرصت منذ انطلاقتها الجديدة، على تنظيم دورات علمية، جعلتها أفقا لتفكير معرفي واقتصادي وجيو-استراتيجي، منها دورات عن إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا والبحر الأبيض المتوسط، وواصلت اهتمامها بصون وتثمين التراث المغربي والاحتفاء بأعلام الفكر المغربي وإحداث كرسي الآداب والفنون الإفريقية وكرسي الأندلس وكرسي للآداب المقارنة دعما للقدرات المعرفية الشابة، في إطار مشروع الطلبة الدكاترة بالجامعات المغربية، والمدرج في إطار انفتاح العطاء الأكاديمي، على نوابغ المستقبل من الشباب، باعتبارهم الرأسمال البشري القادر على تجسيد الابتكار والفكر الخلاّق، أخْذاً وعطاءً، في العلوم الإنسانية والاجتماعية واللغات والعلوم والآداب والفنون.
وأعلن جلالة الملك، على أنّه قد قام بتعيين أكاديميين جُدد، مغاربة وأجانب، مراعياً في ذلك تنوع مشاربهم وتكامل اختصاصاتهم واتساع خبرتهم ووفرة تجربتهم وذلك بالاستناد للأبعاد المتعددة لعمل أكاديمية المملكة المغربية. مؤكداً على أنّ التراكم والتكامل المعرفي وتجسير العلوم، يبقى هو الرهان الأساس لأي تقدّم سليم، يقوم على الحفاظ على هوية الأمة ويحصنها من المخاطر والانحرافات، ويكسب المجتمع التنوع والتعدد الفكري الإيجابي، في ظل مجتمعات معاصرة، تعيش على وقع تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية متسارعة ومتداخلة وتتطور بالتغيير لا بالجمود مبرزاً في ذات السياق، أن تقدّم المجتمعات لن يتمّ، من غير نهضة فكرية وثقافية متجددة، ولن يتحقق إلاّ بتوفر بيئة ملائمة لإنتاج المعرفة مبيّنا أن تطور تلك البيئة رهين بمدى إسهامها في تنمية العطاء الحضاري الخصب الذي تمتلك منه المملكة المغربية الشيء الكثير ممّا مكن بلادنا من احتلال مراتب متقدمة بين دول العالم، من حيث التسجيلات الثقافية على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وأشاد العاهل المغربي باختيار الأكاديمية لمكون “الأسرة وأزمة القيم” كموضوع رئيسي لهذه الدورة؛ بالنظر لأهميته وراهنيته خصوصاً في ظل ما يشهده العالم من اهتزاز في المرجعيات وفقدانها أحيانا، ما يستدعي معه الأمر، تعميق التفكير في هذا الموضوع الجوهري والدراسة العلمية الرصينة للتحولات الجارية ولتداعياتها على كل المستويات، لاسيما فيما يخصّ التماسك العائلي والتضامن الاجتماعي. ومما لا شك فيه، يضيف العاهل المغربي في اختتام رسالته، أنّ مسألة القيم، بكل أبعادها وتجلياتها، تعدّ من بين المهام الجليلة للأكاديمية؛ بسبب مساهمتها الفاعلة في بناء المشترك الإنساني عبر تعزيز الهوية وتثمين التعدد الثقافي واللغوي وتحصينهما إبداعاً وممارسةً، في الحياة الفكرية والانفتاح على شتى الحضارات والثقافات.