رسالة ملكية لتخليد الذكرى 60 لإحداث البرلمان المغربي
الرسالة هي تذكير الأجيال الحالية والصاعدة بالمسار الديمقراطي والمؤسساتي الوطني وبما راكمه من إصلاحات في إطار التوافق الوطني والوقوف على ما أنجزه المغرب في مجال العمل البرلماني، وعلى مكانة السلطة التشريعية في مسار الإصلاحات المؤسساتية والسياسية والتنموية التي عرفها المغرب طيلة هذه الفترة من تاريخنا المعاصر واستشراف مستقبل النموذج السياسي المغربي في أفق ترسيخ أسس الديمقراطية التمثيلية وتكريس مبدأ فصل السلط، تعزيزاً للتقاليد المؤسساتية الضاربة في عمق التاريخ الحضاري. وأبْرزت ذات الرسالة إلى ما ميّز العهد الحالي تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس من إطلاق ورعاية إصلاحات كبرى في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
هلا بريس
تميّزت الذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي، بنص الرسالة الملكية التي وجّهها العاهل المغربي صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إلى المشاركين في الندوة الوطنية المخلدة لفعاليات هذه الذكرى التي افتتحت أشغالها اليوم الأربعاء 17 يناير 2024م وأكدت الرسالة على وجود ثلاثة أهداف من وراء تخليد هذا الحدث أولاً هو تذكير الأجيال الحالية والصاعدة بالمسار الديمقراطي والمؤسساتي الوطني، وبما راكمه من إصلاحات في إطار التوافق الوطني.
وثانيا هو الوقوف على ما أنجزه المغرب في مجال العمل البرلماني، وعلى مكانة السلطة التشريعية في مسار الإصلاحات المؤسساتية والسياسية والتنموية، التي عرفها المغرب طيلة هذه الفترة من تاريخنا المعاصر، فيما تتمثل الغاية الثالثة في استشراف مستقبل النموذج السياسي المغربي، في أفق ترسيخ أسس الديمقراطية التمثيلية، وتكريس مبدأ فصل السلط، تعزيزاً للتقاليد المؤسساتية الضاربة في عمق التاريخ الحضاري.
وأوضحت الرسالة إلى أنّ النموذج البرلماني المغربي الذي أسس وفق رؤية سياسية متبصرة، تقوم على التدرج ومراكمة الإصلاحات الدستورية المتواصلة، والحرص على مشاركة القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحية وذلك إيمانا بأن الديمقراطية ليست وصفة جاهزة، أو نموذجاً قابلا للاستيراد، وإنما هي بناء تدريجي متأصل، مستوعب للتعددية والتنوع، متفاعل مع السياق الوطني وخصوصيات كل بلد، دون تفريط في المعايير الكونية للديمقراطية التمثيلية، والتي من بين أسسها الاقتراع الحر والنزيه، والتعددية الحزبية، والتناوب على تسيير الشأن العام.
وأشارت الرسالة على أنّه منذ استرجاع المغرب لحريته واستقلاله، حر ص المغفور له جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، بمشاركة القوى الوطنية، على تمكين البلاد من مجلس وطني استشاري، كلبنة لبناء ديمقراطية تمثيلية وما تبعه من إقامة دولة المؤسسات في عهد جلالة الملك الحسن الثاني الذي عرف عهده إرساء معالم دولة حديثة، قوامها انتخاب المواطنين لممثليهم في مختلف المجالس التمثيلية، حيث تمّ انتخاب أول برلمان من مجلسين في 1963م دشنت بلادنا بقيادة جلالة الملك الحسن الثاني، مرحلة جديدة من حياتها السياسية والدستورية، مؤكدة اختياراتها السيادية في التعددية السياسية والحزبية والديمقراطية التمثيلية وحرية التنظيم والانتماء وحرية الرأي والتعبير وذلك في الوقت الذي كانت تسود فيه أفكار الحزب الوحيد في أقطار متعددة من دول المعمور.
وأضافت ذات الرسالة، على أنّه بالرغم من التحولات التي عرفتها تلك المرحلة، فإن التعددية الحزبية ظلت قائمة، واستمر التفرد المغربي سائدا بوجود أحزاب سياسية جادة، تحمل مشاريع مجتمعية متنوعة، ومجتمع مدني يقظ، وتنظيمات نقابية مستقلة، أفرزت نقاشات حيوية تمخضت عنها مراجعات دستورية متعاقبة في سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، أدخلت تغييرات جوهرية، ورسخت تعددية التمثيل في المؤسسة البرلمانية، مشيرة على أنّ الرُبع الأخير من القرن العشرين كان حاسماً في ورش استكمال بناء الصرح الديمقراطي والمؤسسات المنتخبة وطنيا، وعلى المستوى المحلي وفي تقوية المؤسسات الوطنية وتعزيز سلطاتها وإعمال إصلاحات كبرى أطر ها تعديلان دستوريان هامان في 1992 و1996م.
مع توسيع اختصاصات المؤسسات المنتخبة، ووضع أسس الجهوية.
وأبْرزت الرسالة إلى ما ميّز العهد الحالي تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس سيراً على هذا النهج، من إطلاق ورعاية إصلاحات كبرى، في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وكانت المؤسسة التشريعية في صلب هذه الإصلاحات المهيكلة، سواء بتوسيع اختصاصاتها، أو من حيث النهوض بتمثيلية المرأة، التي تعزز حضورها الوازن بشكل مطرد بالمؤسسة التشريعية، وبمختلف المجالس المنتخبة وتمّت المبادرة باعتماد مجموعة من الإصلاحات العميقة، توجت بإقرار دستور 2011م وهو دستور متقدم، مكن من إطلاق عدة إصلاحات هيكلية، وشكل بالفعل عنوانا للاستثناء المغربي في الإصلاح وقد كانت السلطة التشريعية في صلب هذه الإصلاحات، إذ توسعت اختصاصاتها بشكل كبير، إلى جانب تعزيز استقلال السلطتين التنفيذية والقضائية وهكذا أصبح البرلمان مصدر التشريع، وأضيف إلى اختصاصاته، تقييم السياسات العمومية إلى جانب مراقبة العمل الحكومي.
وأوضحت الرسالة على أنّ المغرب كان سباقاً في دسترة الديمقراطية التشاركية والمواطنة، وأدوار المجتمع المدني، وحق المواطنات والمواطنين في تقديم ملتمسات في مجال التشريع، وعرائض للسلطات العمومية، ممّا من شأنه إغناء العمل البرلماني، مؤكدة على أنّه في مجال الدبلوماسية البرلمانية والعلاقات الخارجية، تمّ تسجيل مساهمة البرلمان المغربي في الدفاع عن المصالح والقضايا العادة للمغرب، بما في ذلك قضية الوحدة الترابية وكذا فيما يخصّ التعريف بمختلف الإصلاحات والأوراش التي تشهدها المملكة.
واختتمت الرسالة، بالكشف عن ما حقّقه العمل البرلماني وديمقراطية المؤسسات التمثيلية نضجا كبيرا على مستوى الاختصاصات وممارستها، وكذا من خلال الانفتاح على المجتمع المدني، وفي تنظيم وتدبير العمل البرلماني، وكذا إبرام شراكات مع برلمانات وطنية أخرى إلاّ أنّه بالرغم ممّا تمّ تحقيقه في هذا المجال، فإنه ينبغي مضاعفة الجهود للارتقاء بالديمقراطية التمثيلية المؤسساتية إلى المستوى الذي نريده لها، والذي يشرف المغرب ولعل من أبرز التحديات التي ينبغي رفعها للسمو بالعمل البرلماني، نذكر على سبيل المثال، ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية، وتخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية.